الأربعاء، 18 مايو 2011

عبور المضيق..


تعيش اسبانيا موجة احتجاجات شبابية متصاعدة ضد تردّي الأوضاع اﻻقتصادية و السياسية (أفصّلها ﻻحقاً في مدوّنتي “أمواج اسبانيّة”), فالمظاهرات و اﻻعتصامات ﻻ تهدأ في شوارع و ساحات أكثر من خمسين مدينة اسبانية, و بعض الساحات, مثل ساحة "سول" في قلب العاصمة مدريد تحوّلت إلى مراكز اعتصام متواصل حتى الأحد القادم, موعد اﻻنتخابات البلدية و اﻻقليمية.
من اعتصام ساحة أوبرادويرو في مدينتي, سانتياغو دي كومبوستيلا, جئت بالصورة المنشورة أعلاه, للافتة بيضاء علّقها المعتصمون كي يسجّل فيها الموجودون ما يشاؤون..
بخطّ أحمر و أحرف كبيرة نسبياً تتوسط اللافتة عبارة تقول "El cambio ha cruzado el estrecho” و تعني "التغيير قد عَبَر المضيق" و المقصود بالمضيق هنا هو مضيق جبل طارق, الذي يفصل شبه جزيرة إيبيريا (اسبانيا و برتغال) عن شمال أفريقيا, و تشاهَد في عدّة ساحات أعلام تونس و مصر تشير إلى قناعة لدى المتظاهرين بأن حركتهم هي استمرارٌ لربيع الحرّية العربي الذي أوقده البوعزيزي بجسده ,و أنهم يستلهمون من نضال شباب مصر و تونس تلك الرغبة في التغيير التي تتحدّى المستحيل فقط لكي تغلبه..
لكننا ما زلنا في البداية فقط..
لقد سقط الطغيان في تونس و مصر (و سقوط الطغيان هو بداية الطريق, ﻻ الطرق كلّه) و ما زالت اﻻنتفاضات العربية ضد الاستبداد و الديكتاتورية مستمرّة و تدفع أثماناً غالية من دمٍ و قتل و اعتقال و تنكيل, و نرجو أن تستمر حتى النصر الذي ﻻ عودة عنه. لكن رغم ذلك فقد تمكّنا, بفضل شجاعة و إقدام الشباب (وغير الشباب) الثائر من أجل الحرية و الديمقراطية و العدالة اﻻجتماعية, تمكنّا من قلب الطاولة على صورتنا أمام أنفسنا و أمام الآخرين. لم نعد أولئك الذين نعتبر أنفسنا مدمنين على الصمت و طأطأة الرأس طاعةً و خشيةً من الحاكم المتجبّر, و لم نعد في نظر غيرنا شرذمة من المهلوسين الذي يتحمّلون أقسى أنواع الظلم بابتسامة مزيّفة لكنهم ينتفضون جنونياً من أجل كاريكاتير.
أصبحناً مثالاً.. في لندن سمّى الطلاب اسم ساحة اعتصامهم بـ "ميدان التحرير" تيمناً بمصر, و اليوم يؤكد الشباب اﻻسباني أن التغيير قد عبر المضيق, هذا الذي كان (و ما زال) البعض يعتقد أن عبوره ليس إﻻ مرادفاً لمافيات تجارة البشر و تجار المخدرات.
قد يكون "التغيير" قد عبر المضيق فعلاً.. هذا ما نتمناه, لكن هناك مضائق أخرى ما زلنا نحن في سبيل عبورها.. الخوف, الصمت الميت أو الموت الصامت, الهوان, الذل, اليأس.. الخ
خلف المضيق محيطٌ واسعٌ رحب, فهلاّ عبرنا إليه قريباً؟!
..

هناك تعليقان (2):

  1. لم تستطع مياه المتوسط إخماد نار بوعزيزي... واجتازت روح الثورة المضيق

    ردحذف
  2. مبروك المدونة الجديدة..

    أعتقد أن الرحلة طويلة لكنّنا لن نعود إلى الوراء أبداً.. لَم يضحّ كل هؤلاء الشباب بحياتهم ووقتهم وجهدهم كي تتبخر بلا طائل.. الإصرار وتتمة الثورة حتى الوصول إلى الهدف المنشود.. تحياتي لكما

    ردحذف